قلة من الناس يدركون أهمية التفاصيل التي ينشأ عليها الأطفال والمراهقون اليوم، حيث غرق البشر في طوفان من المعلومات القادمة عبر وسائل التكنولوجيا التي لم تعد تحصى. فبين مواقع التواصل الاجتماعي والمواقع الالكترونية الإخبارية والألعاب الالكترونية المباشرة، أصبح أمامنا اليوم واقع افتراضي يفرض نفسه بقوة أمام الواقع الحقيقي، ولذا كان لابد من ممارسة عملية تقنين وإرشاد واعية لهذا الطوفان المعلوماتي الذي يتعرض له الصغير قبل الكبير ويتأثر به بشكل أكبر.
عدد من الدول والباحثين تنبّهوا مبكّراً لهذه الظاهرة التي سيطرت على حياتنا اليوم. فتفاوتت الآراء حول هذا الدور بين من يرى قابليته ليكون إيجابياً، ومن يعظّم من سلبيتها، فبينما تصر الرابطة الأميركية للطب النفسي، على عدم إدراج ألعاب الفيديو وإدمان التكنولوجيا في الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية، تقوم دول مثل الصين وكوريا الجنوبية وتايوان بتخصيص مراكز لعلاج إدمان ألعاب الفيديو والتكنولوجيا.
جاء إصرار الهيئات العالمية على تعزيز الدور الإيجابي لهذه التقنيات، ليتيح لنا الإيمان بقدرة البشر على التحكم بزمام الأمور، والسيطرة عليها بطرق عديدة ومبتكرة، تظهر من داخل هذا الواقع الجديد، بحيث يصبح الدواء قادماً من داخل الداء نفسه إن جاز التعبير ولكن كيف؟
ربط العالم الافتراضي بالقيم الإيجابية الواقعية
الصفات الإيجابية التي حاول الأهل تربية أطفالهم عليها سابقاً، لم يعد باستطاعتنا ترويجها للأجيال الحديثة بنفس تلك الأساليب التي تعلّمناها بها، لأن الطفل أو المراهق أصبح اليوم أمام مصادر مختلفة للتربية والمعلومات، لذا كانت الفكرة الأذكى؛ في أن يتشرب الجيل الناشئ تلك الخصال والقيم الجيدة عبر المصادر الأكثر تعرضاً لها وتأثيراً عليه.
وفي الألعاب الإلكترونية المثال الأوضح على تلك المحاولات، فرغم ما تحمله الكثير من الألعاب المشهورة من قيم سلبية وعنيفة، جاءت أخرى لتحمل مضموناً أكثر وعياً ومسؤولية، كمحاولات بعض الشركات العالمية لإنتاج ألعاب ذات محتوى معزز لقيمة العائلة والصداقة، وأما في المنطقة العربية، فكان ذلك أوضح، لما للمجتمع العربي من نظرة أعمق وأوطد لمكانة الأخلاق، وهكذا جاءت ألعاب ضخمة مثل أمل الشعوب التي كرّست نفسها منذ انطلاقها كمكان لتعميق علاقة مجتمع اللاعبين العربي بالقيم الأخلاقية الإيجابية، عبر الاحتفاليات التي تطلقها بهدف دمج الواقعين الافتراضي والحقيقي، آخرها احتفالية يوم الإحسان العالمي، التي استعملت الهدايا التحفيزية لتذكير المشاركين بأهمية التفكير في مساعدة الآخرين وإسعادهم بالعطاء، على غرار سعادتهم بتلك المنح اللطيفة من اللعبة.
دراسة الخيارات الرقمية
تبدو فكرة منع الأبناء من الواقع الافتراضي، فكرة سهلة التطبيق ومجدية لكثير من الأُسر اليوم، لكن الفرضية التي يعتقد بها الدكتور مايكل ريتش مدير مركز الإعلام وصحة الأطفال في بوسطن الأمريكية، تقول إنّ هذا المنع يولد غالباً شعوراً بالحرمان والصراع، ما يمكن تداركه عبر حسن اختيار الوسائل التي يتعرض لها النُشّء، عوضاً عن حرمانهم منها.
وفي المثال السابق لتجربة شركة الألعاب العربية جيم باور سـﭭن Gamepower7، جاء البديل المناسب ربما، بدون حرمان الطفل أو المراهق من حقه بتجربة هذا الواقع الافتراضي الجذّاب، تمّت إعادته إلى الواقع مرة أخرى عبر الباب الخلفي للعبة، والمؤدي إلى تشرّبه للقيم الإيجابية المطلوبة، وعودته إلى الواقع الحقيقي محمّلاً بها.
لكن يبقى التأكيد دائماً على أهمية وعي المتلقي، ليكون أي شيء مبتكر يدخل إلى حياة الإنسان، قادراً على لعب الدور الإيجابي الذي جاء من أجله. ولا ننسى مسؤولية الأشخاص المتخصصين الذين ينقلون التجارب التقنية الحديثة إلى مجتمعاتنا، في جعل هذه التجارب قادرة على لعب دور إيجابي في حياة الأجيال الجديدة، سيما في ظل ما تتعرض له هذه الأجيال من قيم عنيفة ولا إنسانية، قادمة من الواقع الحقيقي اليومي الذي تنشأ في ظله.