حقبة جديدة بلا شاشات .. السينما تتحرّر من الجدار، والعمل من المكتب | تجربة واقعية مع Apple Vision Pro

لطالما حاول الإنسان اكتشاف سرّ الخلود وتخليد نفسه بشتى الطرق والوسائل. وعندما اقتنع أن الجسد فانٍ لا محالة، اتجه لتخليد الأثر، فبدأ ينقش الرسومات على جدران الكهوف، ويكتب القصائد، وينحت التماثيل، في محاولة لصناعة ذاكرة لا يطالها النسيان.
ومع مرور الزمن، لم يرضَ بتلك الوسائل، فاتجه نحو الرسم ثم اخترع الكاميرا، فصار يلتقط اللحظة، ويجمّد الزمن داخل إطار. ثم جاء الفيديو والسينما، فتوسّعت ذاكرته البصرية، لكنه ظلّ يبحث عن طريقة لا تُبقيه خارج المشهد، بل تُمكّنه من معايشته من الداخل.
حتى جاءت نظارات وخوذة الواقع الافتراضي، وفي مقدمتها Apple Vision Pro، لتمنحه ما لم تمنحه كل التقنيات من قبله: تجربة تُحرّره من الجدران، وتُلغى الحواجز بين العين والمحتوى.
لم تعد الشاشة نافذة، بل عالمًا محيطًا. لم يعد الترفيه متعة سطحية، بل تجربة حسية. ولم يعد العمل يحتاج مكتبًا، بل مساحة ذهنية صافية، تُخلق داخل النظارة، لا خارجها.
في مقعد طائرة، وبين الركاب، لم أكن مجرد مسافر، بل كنت أعيش سينما شخصية، أتنقّل بين الشاشات كما أشاء، وأُنجز مهامي داخل عالم خاص لا يراه سواي.
مع Apple Vision Pro، بدأنا حقبة جديدة بلا شاشات… حيث السينما تتحرر من الجدار، والعمل من المكتب.

حين ترتدي الخيال وأنت تحلّق .. التجربة التي غيّرت كل ما أعرفه عن السفر
من أكثر الأمور أهمية بالنسبة لي أثناء سفري بالطائرة هو كيفية تمضية الوقت حتى أصل إلى وجهتي. في السابق، كانت الرحلة طويلة ومملة، لأن أقصى ما يمكن فعله هو متابعة فيلم على الشاشة الصغيرة المثبتة في المقعد أمامي، أو فتح الماك بوك برو لإنجاز بعض الأعمال وسط ضجيج الركاب وصعوبة التركيز، لكن بعد رحلتي الأخيرة تغير كل شيء.
هذه المرة وضعت Apple Vision Pro وما إن فعلت ذلك حتى شعرت وكأنني خرجت من الطائرة بالكامل، اختفى سقف المقصورة وتحولت المساحة أمامي إلى ما يشبه قاعة سينما ضخمة تطفو في الفضاء، بدأت بمشاهدة فيلم بتجربة بصرية وصوتية غامرة حيث أحاطني الصوت المحيطي وكأنني داخل المشهد لا خارجه.
لكن التجربة لم تتوقف هنا، فتحت عدة شاشات في آنٍ واحد وعرضت على الجانب الأيمن نافذة افتراضية لبريد العمل، وعلى الجانب الأيسر نافذة لمونتاج فيديو كنت أعمل عليه، وبينهما جلسة تصفح خفيفة لأخبار اليوم وكل ذلك وأنا جالس في مكاني دون الحاجة لفتح أي جهاز فعلي.
كانت تلك الرحلة أول مرة لا أشعر فيها بثقل الوقت أو ملل الانتظار، شعرت وكأنني في مكتب خاص بي أو داخل قاعة سينما أو حتى في الفضاء الخارجي.
هذه التجربة جعلتني أدرك أن نظارات الواقع الافتراضي لم تعد مجرد أداة ترفيهية، بل بوابة لعالم جديد بالكامل. عالم يُعيد تعريف الترفيه ويكسر الحدود التقليدية للشاشة ويمنح المستخدم خيارات غير مسبوقة في تجربته البصرية والحسية.

شاشات لا تُرى… لكنها تحيط بك من كل جهة. هل تغّير شكل الترفيه؟
في عام 2025، بات من الواضح أن تقنيات الواقع الافتراضي (VR) والواقع المعزز (AR) وحتى الواقع المختلط مثل Apple Vision Pro لم تعد مجرد أدوات للمطورين أو محبي الألعاب، بل أصبحت جزءًا أساسيًا من تجربة الترفيه لدى الجمهور بشكل عام.
ما تقدمه Vision Pro لا يقتصر على المشاهدة أو اللعب بل يشمل عالماً من التفاعل الحي والمباشر، والانغماس الكامل في محتوى قابل للتخصيص حسب هوية كل شخص واهتماماته بدرجة مذهلة. أصبح الترفيه مرن ومتغير وجزء من هوية المستخدم لا مجرد وسيلة لتمضية الوقت.
من المتفرج إلى البطل .. عندما تتحوّل القصة من شاشة إلى واقع يحيط بك
لطالما كانت السينما وسيلة لسرد القصص ولكنها كانت تعتمد على مشاهدين يجلسون في مقاعدهم ويشاهدون في صمت، لكن مع تطور التقنية والواقع المختلط الجديد لم نعد مجرد متفرجين بل أصبحنا جزء من القصة.
كانت تجربتي مع مشاهدة الأفلام المصممة بتقنية 360 درجة على Apple Vision Pro مذهلة، فهي تسمح للمشاهد بالتجول داخل المشهد، النظر في كل اتجاه، والتفاعل مع العالم المحيط به.
بل أكثر من ذلك، هناك أفلام تفاعلية، تتيح للمستخدم اتخاذ قرارات تغير مجرى الأحداث، تخيّل أن تختار مسار البطل أو أن تشارك في مغامرة تتغير نهايتها بحسب اختياراتك وهنا لا نتحدث عن أفكار مستقبلية بل واقع يتحقق الآن.
تجارب السينما الغامرة بدأت تخرج من إطار “العرض” إلى مفهوم “المشاركة” حيث لا يشاهد الفيلم فقط بل يُعاش.
أما الواقع المعزز فقد ذهب إلى ما هو أبعد من الشاشة حيث لم يعد التفاعل مع الأحداث حكرًا على شاشة العرض أو حتى النظارة، بل أصبح جزء من العالم الذي نعيش فيه، تخيّل أنك تمر بجانب ملصق فيلم في الشارع وفجأة يتحرك ويبدأ بتمثيل مشهد حي أمامك عبر هاتفك أو نظارتك أو أن تزور موقع تصوير فيلم شهير وتُعيد عيش لحظاته بكل تفاصيلها كما لو كنت أحد أبطاله.
بعض دور السينما باتت تستخدم هذه التقنية لتقديم تجربة لا تُنسى: ألعاب تفاعلية تظهر على المقاعد أو الجدران ولقاءات افتراضية مع شخصيات الفيلم قبل بدء العرض وحتى محتوى خاص لا يظهر إلا عبر نظارات AR.
السينما لم تعد مكانًا لمشاهدة فيلم فقط بل تحوّلت إلى مسرح متعدد الأبعاد تعيش فيه القصة بكل حواسك.
في عالم الألعاب الجديد… لا حدود إلا خيالك
من بين كل مجالات الترفيه يبدو أن الألعاب صاحبة النصيب الأكبر مع تقنيات الواقع الافتراضي والمعزز، لم يعد الأمر يقتصر على الإمساك بجهاز تحكم والجلوس أمام الشاشة، مع تقنيات VR ستكون داخل اللعبة، تتحرك بجسدك وتقاتل بكل حواسك وتستكشف العوالم وكأنها جزء من الواقع، وهنالك الكثير من الألعاب مثل Half-Life: Alyx وThe Walking Dead: Saints and Sinners لم تعد فقط ممتعة بل تحوّلت إلى تجارب تفاعلية تمزج بين القصة واللعب بشكل يجعلك تعيش بين الشخصيات وكأنك واحد منهم.
أما الواقع المعزز فقد نقل اللعب من منزلك إلى الشارع وإلى كل مكان يخطر في البال، ألعاب مثل Pokémon GO وHarry Potter: Wizards Unite أعادت تعريف مفهوم “مكان اللعب”، تخيل أن يكون الشارع الذي تمر به كل يوم هو مكان اللعب الجديد والحديقة القريبة تصبح موقع معركة أو تحدي بينك وبين الأصدقاء.

من جمهور يصفّق… إلى جمهور يشارك
حتى العروض الموسيقية والمسرحية دخلت هذا العالم الجديد فبفضل تقنيات VR يمكنك حضور حفل لفرقتك المفضلة من منزلك، تشعر بالحضور، تشاهد العرض من زوايا متعددة، وتتفاعل مع الجمهور، هل تذكرن حفلة أم كلثوم التي غنت بها في دبي بتقنية الولوغرام؟ تخيل أن تعيد هكذا نوع من الحفلات لفنانين فارقوا الحياة من مئات السنين وكأنهم يؤدون بشكل حي ومباشر.
وفي بعض العروض تستخدم تقنيات AR لإضافة تأثيرات بصرية على المسرح تُشاهد عبر الهاتف أو النظارات مما يخلق تجربة فريدة من التفاعل المباشر.
ليس الهدف أن تستبدل المسرح ببديل رقمي، بل أن تُضيف طبقة من السحر عليه.
العيون كثيرة… لكن شاشتك محصّنة
في زمن تتزاحم فيه الشاشات، وتضيع فيه الخصوصية بين عيون المارّة وفضول الركاب، جاءت Apple Vision Pro لتضع حدًا لهذا التطفّل الصامت، وتمنحك مساحة لا يراها سواك.
سواء كنت في طائرة، مقهى، أو وسيلة نقل عامة، يمكنك أن تعمل، تشاهد، أو تتصفح كما لو أنك وحدك في غرفة مغلقة.
كل شاشة تفتحها أمامك لا تُعرض على سطح، بل داخل عالمك البصري الخاص، حيث لا يراها أحد، ولا يصل إليها أحد.
في رحلتي الأخيرة، وبين زحام المقاعد وضجيج الطائرة، كنت أقرأ بريدي، أعدّل فيديوهاتي، وأشاهد فيلمًا على شاشة لا حدود لها… وكل من حولي لم يكن يدري ما أفعله، لأن كل شيء كان يحدث داخل النظارة، داخل عالمي وحدي.
Apple Vision Pro لا تمنحك فقط جودة عرض مبهرة، بل خصوصية تشبه العزلة الجميلة… حتى في أكثر الأماكن ازدحامًا.
حين تتحرر القصص من الشاشة .. وتعيشها بعينيك
التحول الذي نشهده الآن لا يتعلق فقط بتغيير الجهاز الذي نستخدمه لمشاهدة المحتوى بل بإعادة تعريف مفهوم الترفيه نفسه، لم يعد الهدف هو الجلوس ومتابعة ما يُعرض بل المشاركة والتفاعل والتأثير في التجربة.
لم تعد هناك شاشة واحدة بل عشرات الشاشات التي تظهر وتختفي بحسب ما نريد وكيف نريد ومتى نريد.
نحن أمام عصر جديد من الترفيه يمتزج فيه الواقع بالخيال وتُكسر فيه الحواجز بين المتفرج والمحتوى، السينما تصبح رحلة شخصية واللعبة تتحول إلى مغامرة واقعية والحفل الموسيقي قد يُقام في غرفة المعيشة.

هذا ليس ختامًا… بل دعوة لأن نبدأ من جديد
مع تسارع تطور نظارات الواقع الافتراضي والمعزز، وتحولها لأن تصبح بفكرة جهاز كمبيوتر متكامل بنظام منفصل كما هو الحال مع Apple Vision Pro هنا يصبح السؤال ليس ما إذا كانت هذه التقنيات ستغيّر عالم الترفيه، بل كيف سنعيد تشكيل عاداتنا لنتفاعل معها؟ ولك في تجربة الطائرة والعمل والترفيه من خلالها أكبر دليل وأقرب مثال.
هل سنستمر في البحث عن الشاشات؟
أم سنعتاد العيش في عوالم رقمية موازية نصنعها بأنفسنا؟
هل سنتعامل مع هذه التجارب كأدوات للهروب من الواقع أم كوسائل لإعادة صياغته بطريقة أجمل؟