بقلم أسامة الزعبي، مدير التكنولوجيا التنفيذي لشركة سيسكو في الشرق الأوسط وأفريقيا
تتطور التكنولوجيا بوتيرة سريعة مما يجعل تأثيرها عميق في الطريقة التي نعيش ونعمل ونلعب بها، ويعد ذلك من نواح كثيرة بمثابة فرصة تتيح لنا كمستخدمين التعبير عن إبداعنا وأداء مهامنا بفعالية وكفاءة أكبر.
وتعدّ طريقة استخدام الناس لهذه الأدوات ذات أهمية كبيرة عند تصميم هذه التقنيات والخدمات الجديدة، فتصبح التقنية الجديدة امتداد لنا وحاضرة على الدوام في حياتنا، فهكذا طورنا علاقة تكافلية مع أجهزتنا، والذي سيحدد بدوره كيفية تطور التكنولوجيا فيما بعد.
ومع انتهاء عام 2019 وختام هذا العقد من الزمن، أصبح بإمكاننا أن نقيِّم المكان الذي وصلنا إليه والتنبؤ بوجهتنا المستقبلية. يمتلك كل شخص تقريباً اليوم هاتف ذكي، ومع قيام الحكومات ببناء وتطوير البنية التحتية للشبكة، أصبح الاتصال الموثوق بالإنترنت حقيقة ملموسة حتى بالنسبة للمجتمعات الفقيرة في جميع أنحاء العالم. وانتشرت قوة حوسبة السحابة في كل مكان، وأصبحنا نستخدمها في تطبيقات التسوق وعند تصفحنا لمحتوى الوسائط المتعددة وشبكات التواصل الاجتماعي وعند التواصل مع أحبائنا.
ومن خلال النظر إلى الاتجاهات السائدة، يمكننا أن نتوصل إلى بعض التنبؤات المدروسة حول ما يمكن توقعه من التكنولوجيا خلال عام 2020 وما بعده.
بنية تحتية جديدة للإنترنت تواكب الطلب المتزايد
لا تُظهر التكنولوجيا أي تباطؤ في الابتكار مع دخولنا العقد الجديد. ويستهلك التحول الرقمي اليوم أقصى قدرات البنية التحتية الحالية للإنترنت، ونحن على وشك استهلاك كافة خياراتنا في مجال الابتكار، لذلك نحن بحاجة إلى تطوير الإنترنت لتواكب متطلبات المستقبل.
وفقاً لإحصائيات “سيسكو”، سيكون هناك ما يقرب من 49 مليار جهاز متصل بالإنترنت بحلول عام 2023، وسيشهد العقد القادم ظهور وتطوير مجموعة من التقنيات مثل الواقع الافتراضي والمُعزز وتقنية 16K والذكاء الاصطناعي وتقنية 5G و10G والحوسبة الكميّة والأمن السيبراني التكيُّفي والتنبئي والمركبات ذاتية القيادة وتقنية إنترنت الأشياء الذكية. ولربما تتمتع التطبيقات والتقنيات التي لم يتم التفكير بها بعد بنفس القدر من الأهمية.
ستزيد الأجيال القادمة من التطبيقات المتطلبات والتعقيد لما يتجاوز قدرات البنية التحتية الحالية للإنترنت. وعلينا خلال انتقالنا إلى هذا العقد الجديد أن نعيد التفكير في البنية التحتية للإنترنت وأن نبتكرها من جديد، لتكون أسرع وأكثر قابلية للتطوير واقتصادية أكثر وأبسط في إدارتها وأكثر أماناً.
وفي هذا الإطار، أعلنت شركة سيسكو مؤخراً عن خطتها لبناء شبكة الإنترنت التي ستواكب متطلبات العقد القادم من الابتكار الرقمي. ويعتمد جوهر استراتيجية تكنولوجيا “إنترنت المستقبل” على الاستثمارات في مجال تقنيات السيليكون والبصريات والبرامج التي ستتيح لنا تلبية متطلبات المستقبل بشكل مسبق.
ولاء التقنيات هو الشكل الجديد من ولاء العُملاء للعلامة التجارية
أصبحت الشركات تعتمد على استخدام التكنولوجيا الرقمية للتفاعل مع عملائها أكثر من أي وقت مضى. لذلك من الضروري أن توفر الشركات تجربة مستخدم سهلة وممتعة من أول لحظة يتم فيها استخدام التطبيق أو الموقع الإلكتروني.
وفقاً لأحدث نتائج مؤشر AppDynamics App Attention Index، تطور استخدام الخدمات الرقمية وأصبح سلوكاً إنسانياً لا إرادياً (رد فعل رقمي لا إرادي). كان يتخذ المستهلكون في الماضي قرار واعٍ عند رغبتهم باستخدام أحد الخدمات الرقمية لتنفيذ مهمة أو نشاط ما، أما اليوم، فغالبية المشاركين في البحث (71%) يعترفون بأن الخدمات الرقمية أصبحت جوهرية في حياتهم اليومية.
وأظهر البحث أن المستهلكين لا يرضون عن التطبيقات التي لا توفر تجربة ممتازة، وتنتقل نسبة (49%) منهم إلى التطبيقات المنافسة إن واجهوا مشكلات في الأداء، في حين ينصح (63%) منهم بعدم استخدام تلك الخدمة أو العلامة التجارية دون أن يمنحوا الشركة فرصة لتحسينها. لذلك، سيتعين على الشركات في عام 2020 الانتباه لحقيقة أن العملاء لن يرغبوا باستخدام تطبيقاتهم وخدماتهم مالم تمتاز بتجربة سهلة وسريعة واستثنائية، مما سيجعل تحليل أداء البيانات والتطبيقات في الوقت الفعلي أمر بغاية الأهمية للتعرف على نقاط الضعف وتوفير الحلول المناسبة والمباشرة.
تقنيتَيّ Threat Hunting و Zero Trustوالابتكار التعاوني في الأمن السيبراني
يشهد الطلب على الخدمات الأمنية الموثوقة ازدياداً كبيراً اليوم بسبب انتشار الجرائم الإلكترونية إلى حد كبير جعلها تكلف الاقتصادات أكثر بثلاث مرات من الكوارث الطبيعية على مستوى العالم. ولهذا لم يعد الأمن التفاعلي، الذي يعالج المشكلات عند بدء تأثيرها السلبي على الأنظمة، كافياً بعد الآن، بل أصبحت الشركات بحاجة إلى التعايش مع الواقع الجديد لأهمية الخطوات الوقائية مثل نموذج “Zero Trust” وذلك لتجنب الوقوع ضحية للتهديدات.
يعتمد نموذج Zero Trust الأصلي، الذي صممته Forrester، على مبدأ أن الشركات لا تثق بأي شيء داخل أو خارج محيط شبكتها. ولا يسمح هذا النموذج بدخول الأجهزة أو المستخدمين أو أحجام العمل إلى الشبكة إلا إذا كان مصرح لها وذلك بعد إنشاء الثقة ومنع التهديدات، دون التأثير على تجربة المستخدم، ومن المتوقع أن يصبح هذا النهج واسع الانتشار في السنوات القادمة.
وستلعب تقنيةThreat Hunting دور هام في النهج الأمني الشامل للشركات، فبينما تستجيب الأساليب التقليدية عادةً للتنبيهات بعد اكتشاف التهديد، تتعرف هذه التقنية على ما وراء الأخطار المعروفة وتحلل النشاطات المجهولة أيضاً.
الهدف من تقنية Threat Hunting هو اكتشاف البرمجيات الخبيثة ونقاط الضعف الجديدة غير المعروفة. وحتى إن لم يتم اكتشاف أي برامج ضارة، غالباً ما تحدد تقنية Threat Hunting نقاط الضعف التي تتطلب وضع سياسات جديدة. وعلى هذا النحو، يؤدي هذا البحث المنتظم عن الأخطار المتوقعة إلى انخفاض إجمالي عدد الهجمات المحتملة.
أنشأ الخبراء في Cisco Talos كتاباً إلكترونياً بعنوان “البحث عن التهديدات المخفية”، يوضح كيف تعمل تقنية Threat Hunting ومن بحاجة إليها و”ماذا وأين ومتى” يجب تبنّيها، كما يقارن الكتاب هذا النهج مع غيره من الأساليب الأمنية الأخرى مثل الاستجابة للحوادث أو اختبارات الاختراق أو إدارة المخاطر.
الرحلة نحو الشبكات القائمة على النوايا
لم تكن الشبكات أكثر أهمية للشركات بقدر اليوم، وتوسعت قيمتها وتجاوزت توصيل الأجهزة والمواقع، حيث تلعب الشبكة اليوم دوراً مهماً في إعادة تصميم التطبيقات وتأمين البيانات وتحويل البنية التحتية وتمكين الفِرَق.
كانت النقاشات في القطاع تدور في السنوات الأخيرة حول دور الشبكات المعرّفة بالبرمجيات (SDN) باعتبارها مرحلة مستقبلية مهمة من تطور الشبكة، فهي توفر العديد من المزايا، بما في ذلك الإدارة المركزية والأمان والمرونة وتكاليف التشغيل المُخفّضة.
ولا تعد الشبكات المعرفة بالبرمجيات في “سيسكو” مرحلة نهائية، بل خطوة مهمة في رحلة تطوير البنية التحتية للشبكات وتصميم الشبكات القائمة على النوايا (IBN)، والتي تستخدم تقنية الذكاء الاصطناعي وتعلّم الآلة للتنبؤ بالخطوات والكشف عن النشاطات الغريبة وحلها تلقائياً وإيقاف تهديدات الأمان، مع الاستمرار في التطوّر والتعلّم.
وفقاً لما صدر عن استطلاع اتجاهات الشبكة العالمية من سيسكو Cisco Global Network Trends الذي شمل 2000 من رواد تقنية المعلومات وخبراء استراتيجية الشبكات، فإن 41% لديهم شبكات معرّفة بالبرمجيات على الأقل في واحد من مجالات شبكتهم. ومع ذلك، يعتقد 4% فقط أن شبكاتهم اليوم هي شبكات قائمة على النوايا. ومن الواضح أن خبراء القطاع يتّفقون على أن الشبكات القائمة على النوايا ستلعب دوراً كبيراً في مستقبلهم القريب. ويعتقد 78% منهم أن شبكاتهم ستصبح قائمة على الخدمات والنوايا خلال عامين، فيما قال 35% آخرون أن شبكاتهم ستصبح قائمة على النوايا بالكامل خلال الفترة ذاتها.
نقص المواهب الخبيرة في قطاع تقنية المعلومات
يواجه قطاع تقنية المعلومات اليوم نقص واضح في خبراء تقنية المعلومات ممن يمتلكون مهارات عملية تجارية.
ويعدّ هذا النقص التحدي الرئيسي الذي يواجه الشركات الرائدة في قطاع تقنية المعلومات اليوم. ووفقاً لاستطلاع أجرته شركة سيسكو على 600 من صُنّاع القرار في مجال تقنية المعلومات والأعمال، يعتقد 93% منهم أن هذا الأمر بالغ الخطورة ويتسبب بإبطاء تطور أعمالهم.
تشهد طبيعة نوع الوظائف المطلوبة أيضاً تطوراً ملحوظاً، وليس من المفاجئ أن الأدوار المتعلقة بمجالات النمو الواضحة، مثل علم البيانات والذكاء الاصطناعي أصبحت مطلوبة بشكل متزايد. ولتلبية احتياجات هذه المراكز، يجب أن يتحوّل الموظفون في مجال تقنية المعلومات من “مستقبلين للأوامر” إلى شركاء أعمال استراتيجيين. مما يعني أن الأدوار اليومية للعاملين في مجال تقنية المعلومات ستصبح أكثر تركيزاً على استخدام التكنولوجيا في حل مشكلات العمل دون الحاجة إلى تعديل الأجهزة المستخدمة.
اتفق تنفيذيو تقنية المعلومات والأعمال في الدراسة التي أجرتها “سيسكو” أن أكبر مشكلة تواجه رواد التكنولوجيا اليوم هي الافتقار إلى الفطنة التجارية. وكنتيجة لذلك، ستتمثل الأولوية القصوى في توظيف تنفيذيين تقنية المعلومات والأعمال بأن يكونوا من ذوي المهارات التقنية والتجارية على حد سواء.
أظهرت الشركات التي نجحت في تحويل وتطوير أعمالها تفضيلها لإعادة تدريب موظفيها في قسم تقنية المعلومات على مهارات العمل التجارية بدلاً من توظيف أو استقدام موظفين من الخارج، وبالتالي الحفاظ على معارف الشركة وثقافتها وقيمها.
هذه هي توقعاتنا لمستقبل التكنولوجيا في عام 2020 وما بعده. سيكون من الرائع أن نشهد كيفية تطور التكنولوجيا خلال الأشهر والسنوات القادمة، وأتطلع إلى معرفة التنبؤات التي أصبت أو أخطأت بها.