أصبح استهلاك الأمريكيين للإنترنت وخدماته يزداد يوماً بعد يوم، حيث أنه بلغت نسبة الإنفاق حوالي 1.2 بليون دولار، كما أن هذه الظاهرة أصبحت تتطور وتزداد بشكل كبير وملحوظ خاصة في السنوات الخمس الأخيرة، وذلك وفقا لجهاز المحاسبات، كما أن هذه الزيادة سوف تتكاثر بشكل أكبر مع السنوات الخمس المقبلة.
على مدار السنوات الأخيرة حدثت طفرة هائلة في عالم التسويق والتجارة الإلكترونية والتي تعتبر تخطت عالم التكنولوجيا بكل ما فيه من إمكانيات؛ حيث أن الشركات التي كانت تنوي بدء مشروع ما كان عليها أن تستغرق وقتاً طويلاً في إنهاء بعض الإجراءات التجارية المعتادة مثل الذهاب للبنوك وإتمام عمليات الدفع التي تتطلب الكثير من الجهد البشري وكذلك الكثير من الرسوم المالية.
لم يستمر هذا الوضع كثير، ففي عام 2010 بدأ الشقيقان “جون وباتريك كوليسون” من أبناء إيرلندا الريفية في عمل مشروعهما الخاص الذي سهل الكثير من الجهد في عالم التجارة؛ حيث أنهما أسسا شركة Stripe، والتي تقوم على توفير خدمة الدفع الإلكتروني عبر شبكات الإنترنت من قبل أصحاب الأعمال والمؤسسات التجارية، فأصبح بإمكانهم دفع مستحقاتهم المالية عن طريق بطاقة الائتمان البنكي عبر النظام البنكي الإلكتروني، وكذلك استقبال أي أموال خاصة بهم بنفس الطريقة، فهذه الطريقة أصبحت متداولة عبر العديد من المنصات والشبكات الناشئة مثل الفيسبوك والدور داش والكثير من الشركات التي لديها طموح لأن تصبح جزء من هذا العالم المتطور ويكون لها نصيب وافر في عملية التجارية الإلكترونية.
وعلى جانب آخر أصبحت شركة Stripe الآن لديها المقدرة على التعامل وجني مليارات من الدولارات في مجال المعاملات المالية الإلكترونية سنوياً، وذلك عن طريق فرض رسوم بسيطة على كل عملية وكل فرد، حيث أشارت بعض التقارير الأجنبية أن نصف الأمريكيين تقريباً قاموا بدفع هذه الضرائب خلال السنة الماضية مقابل كل سلعة تم شرائها عبر شبكات الإنترنت ربما حتى دون أن يكونوا على دراية بذلك، مما جعل هذا سبباً في اعتبار باتريك ذو الثامن والعشرين عاماً وجون صاحب الستة وعشرين عاماً أشهر وأصغر رجال أعمال حول العالم، وذلك لأنهم تخطوا نسب أرباح منافسيهم والتي تعدت التسعة مليار دولار.
وفي نفس السياق لا يمكننا أن نغفل أن هذه المنافسة تعتبر ساحة معركة وحشية وقتالية من الدرجة الأولى؛ حيث أن كبار الشركات مثل قوقل وآبل وكبار البنوك وحتى الشركات الناشئة، يحاول كل منهم فعل ما بوسعه للاستيلاء على أكبر كم من المعلومات تفيد أنظمتهم، فهذه المعركة لم تكن سهلة إطلاقاً فهي منافسة ممزوجة بهوامش الربح الضئيلة في هذه الصناعة.
ولعل من بين الأسباب الرئيسية التي أدت إلى تلك النتائج العظيمة، هي الشراكة الهائلة مع موقع “أمازون” المعروف، حيث أنه أصبح لشركة الشقيقين خلال الأسابيع القليلة السابقة تعاملات ضخمة جداً مع شركة أمازون.
ويقول باتريك: “بعد مرور سبع سنوات مازالت شركتنا غير قادرة بشكل كافي حتى الآن على إنجاز المزيد من الصفقات وزيادة نطاق التوزيع عبر العالم لزيادة الناتج المحلي لمعاملات الإنترنت، وللقيام بذلك؛ بدأت Stripe في تجاوز المدفوعات عن طريق كتابة برامج تساعد الشركات على إعادة تجهيز طريقة دمجها ودفع العمال والكشف عن الغش، وهو جزء من محاولة طموحة لتجديد كيفية تنفيذ الأعمال التجارية عبر الإنترنت لمدة 20 عاماً وإعطاء أي شخص لديه فكرة مشرقة فرصة للتنافس.
وعن نشأة باتريك وجون؛ ولدا في إحدى قرى إيرلندا وانتقلا منذ الصغر إلى قرية أخرى، وكان أبويهم من المشتغلين بالمجال العلمي حيث كان الأب يعمل مهندساً كهربائياً، وكانت الأم تعمل في الأحياء الدقيقة ثم انتقلت إلى ريادة الأعمال، كما عمل الوالد مديراً لفندقاً على شاطئ “لوغ ديرغ”، في حين كانت تدير الأم شركة تدريب الشركات من المنزل، وعلق باتريك على هذا قائلاً:” مصطلح ريادة الأعمال هو مصطلح فرنسي طويل ذو معنى ضخم، ولكنه لم يكن بالنسبة إلي شيء جذاب أو عظيم على اعتبار أنه العادي في منزلنا وأن هذا الذي تربيت عليه وبالتالي كانت نظرتي له بسيطة جداً في الماضي”.
كان باتريك غير محباً للحضور وسط زملائه في الصف، فطالما كان يحاول أن يختبئ خلفهم حتى لا يراه أساتذته، ولكنه استطاع لاحقاً أن يكمل دراسته من المنزل مما جعل تحصيله أفضل وتخرج وهو في عامه السادس عشر، ونُشر عنه أنه أصغر عالم في تلك السنة وذلك لأنه استطاع أن يطور لغات البرمجة ونظام الذكاء الاصطناعي، وذلك بعد أن كسر رقم قياسي وهو أخذ ثلاثين امتحان في هذا المجال في عشرين يوماً فقط بالرغم من أنها تتطلب عامين كاملين.
تشارك الشقيقين في كل شيء فكان حبهم للكتب وموسيقى البوب والاستجمام في شواطئ فرانسيسكو والرياضة والقراءة عن السياسة التركية يجمعهم دائماً.
وفي عام 2006 انضم باتريك إلى معهد “ماساتشوستس للتكنولوجيا” للتخصص ودراسة الـ SAT، كما التحق جون بجامعة “هارفرد” بعده بعدة سنوات، ففي وقت فراغهم استطاعوا أن يطوروا تطبيقات الأيفون؛ حيث أنهم تمكنوا من إصدار نسخة من موسوعة ويكيبيديا يمكن تشغيلها دون الحاجة لاستخدام الإنترنت مقابل رسوم 8 دولار، كما أنهم طوروا في أكواد الترميز التي مكنت من تشغيل أية ملفات بعد تحميلها.
كما ساعدوا في إنشاء طريقة لإدارة مزادات “إيباي” ومبيعاتها، بشكل تلقائي وذلك مقابل 5 ملايين دولار عام 2008، وبعد تخرجهم من الجامعة أنشأ باتريك وجون مكتباً في Palo Alto ليكون نقلة بين نظام المعاملات القديمة والحديثة، كما يذكر أنه فكان تحديد هدفهما هو أهم أولوية في حياتهم وخاصة أنهما كانا يذهبان بالدراجة إلى المكتب في ذلك الوقت على أمل الادخار لشراء سيارة، فمن كان يتخيل أنهما يصبحان بعد ذلك ملاك أكبر شركة للمعاملات المالية عبر الإنترنت؟!.
وفي عام 2011 حدي تغيير في نظام إدارة الشركة حيث أصبح باتريك الرئيس التنفيذي للشركة وأصبح جون رئيساً للشركة، واستمروا سنتين في بناء شبكة علاقات مع البنوك وشركات الائتمان والمنظمين والعملاء.
ومن الجدير بالذكر أنه في بداية نشأة Stripe، كان على العملاء عمل سبع خطوط على موقعهم وذلك للتمكن من إتمام عملية الدفع للشركة، ولكن أصبحت هذه العملية في غاية السهولة الآن، كما أنه هناك أكثر من نظام للدفع، فعادة ما يقرر مديرو التمويل نظام الدفع الواجب استخدامه، كما يشار إلى أن “Stripe ” وضعت نماذج لنظام التكنولوجيا الحديثة مما ساعد على تحسين خدمات التجارة عبر الإنترنت بين المستهلكين والبائعين.
يقول جون: “عليك أن تتبع وتعرف من يكسب ما، والجدول الزمني الذي ينبغي أن تدفع، ومن ثم تحصل على فريق عمل يستطيع أن ينجز ما هو غريب وصعب”، وبالتالي كانت من بين إنجازات Stripe أنها استطاعت أن تنشئ منصة حسابية لشركة Lyft لتنظيم الدفع الإلكتروني بين السائقين والعملاء.
اليوم، أصبحت Stripe هي المحرك المالي لأكثر من 100000 شركة تجارية، فإنها تخزن المعلومات المالية الرئيسية مثل أرقام بطاقات الائتمان، والتعامل مع عمليات الاحتيال، وتضيف الدعم لخدمات جديدة مثل خدمات أبل المدفوعة، كما أنها تفرض رسوماً بقيمة 2.9٪ على مدفوعات بطاقات الائتمان مقابل خدماتها، على الرغم من أنه يمكن تخفيض الرسوم بأحجام أكبر، هذا بالإضافة إلى أنها لم تكشف عن عدد من المعاملات التي تعالجها، ولكن المحللين يقدرون الاقتراب من التعامل مع 50 مليار دولار في التجارة سنوياً، كما أنه قبل ثلاث سنوات، كانت Stripe تضم 80 موظفاً، ولكن الآن لديها 750 موظف، حيث تواصل الشركة في محاولاتها لزراعة سمعتها المستنيرة بين المطورين.
وتتنافس Stripe بشكل مباشر مع شركة Braintree Payment Solutions LLC وهي شركة تابعة لشركة “باي بال”، وقامت كلاً من Musk، Moritz، وThielببيع شركة باي بال إلى شركة EBay في عام 2002، وشركة “أديين بف-أولد” التي تعاونت مع ماركات نيتفليكس، إيربنب، وأوبر، والتي توفر أيضاً كميات ضخمة من المعاملات، وفي الوقت نفسه، ركزت شركة “سكوير” على معالجة المبيعات الشخصية مع تجار التجزئة، وتركز قوقل وأبل على الهواتف الذكية، والشركات مثل مجموعة علي بابا القابضة لديها منصات مفصلة، وفيرست داتا التي تحاول تحديث التكنولوجيا الخاصة بها.
وتستمر Stripe بجذب الشركات الناشئة، حيث إنها تعتزم أن تكون بجانب شركة أوبر على سبيل المثال، حيث يقول باتريك: “إذا كنت تفكر في المسار الواسع للإنترنت، فإن معظم النجاحات لا تزال في المستقبل، ولكن Stripe تحاول أيضاً إجراء صفقات الشركات الناشئة، وجعلت الشراكات ممكنة من خلال الثقة التي ظهرت بالشراكة مع أمازون.
وتهدف خطة الشركة إلى تجميع أدوات جديدة في المنتج الأساسي لجعل الرسوم التي تبلغ 2.9 في المائة تبدو أكثر تصديقاً وتلقى استحساناً بشكل أكبر، فمثلا طورت Stripe نظام جديد وهو الرادار، فهو نظام الكشف عن الاحتيال، وعمليات الغش التجاري، وذلك بالتعاون مع منظمة العفو الدولية بقطاع البرمجيات لتحليل المدفوعات على شبكتها وتحديد النشاط المشتبه به.
ومن جانب آخر قام باتريك بجولة استمرت خمسة أيام في إسرائيل في مايو الماضي، للاجتماع مع المستثمرين ورجال الأعمال الشباب وتسويق المنتجات، كما ذهب أيضاً إلى رام الله في الضفة الغربية، وقابل نحو خمسين شخصاً من قادة المنظمة الفلسطينية الوحيدة بالمنطقة التي تدير المجال التكنولوجي هناك، وعلى الهامش شاهد تجمع المسلمين في صلاتهم وأعجب كثيراً بهم وقال “كنت أتمنى لو أني أتحدث العربية”، ولفت باتريك إلى أن Stripe تريد توسيع أعمالها في فلسطين وفي أي مكان آخر يحتاج رواد الأعمال به إلى المساعدة.