ينبغي أن تشهد دور التقنيات الرقمية في مجال التعليم لتصدّق أثرها. إنه الجزء الأفضل من عملي – زيارة المدارس ومشاهدة أثر التقنيات عن كثب.
عندما يمكن للمعلمين اصطحاب الطلاب معهم، يمكن للتعليم أن يمضي قدماً. ولكن ضمان إشراك الصفوف الدراسية الكبيرة ليس بالأمر السهل، وكذلك إطلاق العنان لخيال كل فرد ومتابعة تقدمه. وكما سيخبرك جميع المعلمين، فمن التحديات التي يواجهونها الحرص على أن يكون جميع الطلاب في نفس المستوى دون أن يبقى أحدهم متأخراً عن الركب.
تحقق التقنيات التعليمية وسيلة بالغة الأثر لتلبية احتياجات كل شخص بما يناسب نقاط ضعفه وقوته ويلائم وتيرة التعليم لديه. وباستطاعة الأجهزة المخصصة لاستخدام شخص واحد أن تحوّل التركيز بعيداً عن الموارد المركزية العامة كالكتب الدراسية، وتسمح للطلاب، حتى صغيري السن منهم، قيادة تعليمهم بأنفسهم ضمن سياق يحدده المعلّم. كما يمكن لتقنيات التقييم المتطورة أن تساعد المعلمين على متابعة مسار تقدم الطالب. باختصار، فإن بإمكان التقنية مساعدة المدارس في إدراك الجانب الفردي لكل طالب.
كيف يمكن للمعلمين الاستفادة من مزايا التقنية وإمكاناتها؟ إنهم يجنون ثمار التقنية بالفعل إلى حدّ ما، ففي العديد من المدارس يقوم الطلاب بالكثير من العمل خارج الغرف الصفية من خلال البحث والقراءة عن المواضيع أو ممارسة المهارات في وقتهم الخاص قبل بدء الدرس – وهذا مفهوم غرفة الصف المقلوبة. أما في المدرسة فيوجد المعلمون، وهم خبراء مؤهلون يمكنهم التعاون مع الطلاب ومشاركتهم في العمل الجماعي باستخدام تقنيات تعكس العالم الواقعي، وهنا نشهد السحر الفعلي.
يمكن للتقنية أن تواكب مختلف أساليب التعليم، فبعض الطلاب يتعلمن بشكل أفضل بالأساليب الحسية، كاللمس والشعور، وهو أسلوب مهم جداً خاصة في المدارس الابتدائية. أما الآخرون فقد يكون أسلوب التعليم المثالي لهم سمعياً أو بصرياً. للقدرة على توفير تلك الخيارات أثر ضخم، ولا بد من الإشارة إلى أن الطلاب سيكونون قادرين على اختيار التعليم بالطريقة التي تناسبهم، وهذا هو ما يصنع الفرق بالفعل، لانهم يتشجعون للخروج من نطاق راحتهم ويصبحون متفاعلين بشكل مدهش.
فكروا كيف غيّرت التقنيات أسلوب تعليم اللغات، وكيف أصبح بإمكان الطلاب التواصل مع أشخاص يتحدثون اللغة الام بلمسة زر، أو التحقق من المفردات والمصطلحات بسهولة فائقة، أو حتى كيفية الإصغاء إلى الشخصيات والاستفادة من حركتها في التمرن على لغة أجنبية. ينطبق الأمر على كيفية تقاطع المواضيع والتخصصات معاً، كما هو الحال في دراسة السكك الحديدية مثلاً. إذ يمكن للطلاب استخدام التقنية للتعرف إلى كيفية عمل القطارات وعمل نماذج لها، ويمكنهم البحث عن أسباب خروجها من الثورة الصناعية والاستماع إلى ما نظمه الشعراء والكتّاب في وصف حقبة القطارات الجديدة، وكيف استجاب الفنانون لها. فالكتب المدرسية لا يمكنها أن تدفع الطلاب إلى التفاعل بتلك الطريقة.
تحدّثنا إلى المعلمين حول ما يريدونه من التقنية، وما يحتاجون إليه في الواقع هو توفر الدعم ووجود بنية تحتية متينة لا تخذلهم. فمن أكبر الأخطاء التي لاحظناها في المدارس الاستثمار في أحدث وأروع التقنيات بسرعة أكبر من اللازم – وهذا يعني احتمالاً أكبر لوقوع الأخطاء بسبب السرعة الزائدة بدلاً من البطء الزائد.
استثمرت جميع الدول الأوروبية تقريبا، باستثناء روسيا، مبالغ أكبر في الأجهزة التقنية للتعليم، بحيث تصدرت المملكة المتحدة وفرنسا دول القارة بشراء أعلى عدد من أجهزة الحاسوب لمراحل التعليم الأساسي. فقد أظهرت أحدث الأرقام بأن المملكة المتحدة اشترت 809,000 جهاز للمدارس، فيما تخطط دول أخرى مثل إيطاليا لاستثمارات ضخمة في مجال تقنية المعلومات، وتتوقع فرنسا توفير مزيد من الأجهزة اللوحية في المدارس في العام المقبل، وفقاً لتقرير أصدرته شركة فيوتشر سورس المستقلة للاستشارات في فبراير.
وقبل أن تقوم المدارس بالاستثمار، فإن عليها فهم ما تحاول تحقيقه. يرغب جميع المعلمين برؤية استخدام أكاديمي مفيد للتكنولوجيا، لا يقتصر على الدخول إلى شبكة الإنترنت واستخدام البريد الإلكتروني، بل بيئة غامرة بالفعل. وكلما كان الدرس أكثر ديناميكية كان أفضل. بحسب أبحاث أجرتها “تك نولدج فور سكولز” في المملكة المتحدة خلال ديسمبر 2015، تستخدم معظم المدارس التي شكلتها الدراسة تقنيات للأجهزة المتحركة للأفراد بشكل دوري، ويوافق تسعة من بين كل عشرة معلمين على ان التقنية تشجّع الطلاب على استكشاف أشياء جديدة بينما يرى ثمانية من كل عشرة أنها تساعد الطلاب على تطور أفكار جديدة والعمل بشكل مستقل. يعتقد ثلاثة من بين كل خمسة معلمين بأن الأجهزة الفردية تساعدهم في التمييز بين الطلاب وبالتالي عدم الحاجة إلى انتهاج أسلوب متوسط في التدريس. كما يعتقد المعلمون بأن استخدام تقنيات الأجهزة المتحركة يعدّ الطلاب للتوظيف في المستقبل -–شرط أن يتمكنوا من السيطرة على عوامل التشتت. ولكنهم في نفس الوقت لا يريدون أن يروها تحل محل الورقة والقلم، ولا يريدونها أن تكون الوسيلة الوحيدة للتعليم.
أعتقد أن العنصر الأبرز في نجاح استخدام التقنية هو الدعم المقدّم للمعلمين بحيث لا يشعرون بأنهم قيد الاستبدال بأجهزة الحاسوب والأجهزة اللوحية. ويقول حوالي 6 بالمائة من المعلمين أنهم يودون الحصول على مزيد من الدعم والتدريب حول كيفية دمج التقنيات في التدريس، كما أنهم بحاجة للشعور بالتمكين وبكونهم جزءاً من عملية اتخاذ القرار، ويحتاجون لفهم كيفية استخدام التقنيات أيضاً بشكل يضاهي أو يفوق الطلاب.
ومن الطبيعي أن يكون بعض المعلمين متحفظين تجاه التقنية، بينما نرى آخرين يتبنونها على نطاق واسع. فالبعض يخشى أن يفقد السيطرة او أن تسبب التقنية تشتتاً ضخماً. ولكن بوجود الأدوات المناسبة والتطوير المهني، ووجود معلمين يدرسون معلمين آخرين حول كيفية استخدامهم، تصبح التقنيات أداة حيوية هامة للنجاح. نأمل في ان يساهم تسليط الضوء على قصص نجاح المعلمين الذين حققوا نتائج مذهلة في تعزيز مكانة التعليم كمهنة.
ولا ننسى ان التقنية تبسّط العديد من المهام التي تحتاج إلى الجهد والوقت، ومنها تفقد الحضور وتسجيل العلامات وغيرها، مما يجعل المعلم متفرّغاً للقيام بالعمل الذي يحبه فعلا.
توجد في جميع أنحاء أوروبا جيوب للتميز في استخدام التقنيات في التعليم. لدى أيرلندا على سبيل المثال واحدة من أفضل الاستراتيجيات الوطنية في هذا الصدد: حيث عملت اتش بي مع الحكومة لتطبيق برنامج “مدارس التميز الرقمية” الذي يسلط الضوء على أفضل الممارسات. أما دول شمال أوروبا فقد حققت سمعة مرموقة باستخدام التقنية في التعليم، حيث تجمع فنلندا بين استخدام التقنية وبين معلميها الذين اشتهروا بروعتهم. وقامت إسبانيا والبرتغال بعمل ممتاز في بعض المجالات، بينما تحقق فرنسا إنجازات رائعة في التعليم العالي.
عندما استطلعنا آراء الطلاب في السنة الجامعية الأولى، قال أكثر من ستين بالمائة منهم أنهم يفضلون قراء الروايات المطبوعة – فالأمر لا يحتّم الاختيار بين الصيغة الورقية والورق، بل الجمع بينهما. لا يمكن تحويل كل شيء رقمياً، ولا زال هناك دور ضخم للطباعة والعالم المادي الملموس، فهو لن يختفي. السؤال الحقيقي هو كيف نقرر الوقت المناسب لاستخدام الطباعة أو التوجه الرقمي – ولا نزال في بدايات هذا العلم.
ولكن تطبيق السياسات المناسبة والتقنيات المناسبة هو مجرد جزء من الأحجية. فالأمر بالأساس يرتبط بتحول المدارس من تركيزها الكامل على الكتب المدرسية إلى التركيز على الطالب – بما يضمن أن تتمحور العملية التدريسية حول ما يحتاجه الطلاب بدلاً من ما تنص عليه كتب دراسية قديمة. وهذا هو التحدي الحقيقي الذي تواجهه المدارس. إنه وقت رائع للمشاركة في قطاع التعليم.